أنيس عبيد المترجم الأول .
ولد رائد الترجمة أنيس عبيد سنة 1909 لأسرة قبطية ثرية وكان واسع الثقافة ومحب للافلام الاجنبية التى كانت تعرض من دون ترجمة .
ظهرت فكرة ترجمة الأفلام الأجنبية عام 1912 على يد "ليوبولد فيوريللو" الإيطالي المقيم في مصر وكانت مكتوبة على ألواح زجاجية يعرضها الفانوس السحري (البروجكتور) على شاشة صغيرة غير واضحة بجوار الشاشة الأصلية التى يعرض عليها الفيلم ولم تكن تترجم حوار الفيلم جملة جملة بل كانت عبارات قليلة تصف ما يحدث فى هذا الجزء من الفيلم ، لم تنتشر هذه الطريقة كثيراً لتكلفتها وصعوبة متابعة الاحداث على شاشتان منفصلتان.
لذلك ففى الاغلب لم يشاهد الافلام الاجنبية سوى الأجانب المقيمين فى مصر وبعض المثقفين من المصريين وعندما كان الشاب انيس يذهب مع اصدقائه للسينما الصيفى يجلس وسطهم لاعباً دور المترجم لينقل لهم ما يفوتهم من حوارت وأحداث، الأمر الذي كان يفسد متعته طول الوقت، فشغلته هذه المشكلة .
تخرج "أنيس" فى كلية الهندسة عام 1932 ثم بعدها سافر إلى باريس - فرنسا، للحصول على درجة الماجستير في الهندسة وهناك تغير مسار حياته ! في مقر الجامعة حيث يدرس شاهد إعلانا بالصدفة عن فتح باب التقدم لدورة تدريبية حول كيفية دمج الكتابة علي شريط السينما !! كانت الدورة فى الاصل بهدف دعم الأفلام العلمية لكتابة التعليقات والمصطلحات العلمية علي الشاشة لتوضيح الصورة ، إلتحق أنيس بالدورة حيث أضاء فى ذهنه فكرة إستخدامها فى الافلام السينمائية للمصريين.
بصدفة أخرى التقى فى باريس بالفنان "محمد عبد الوهاب" وطاقم فيلم "الوردة البيضاء" حيث مثل فى الفيلم دور من جملة واحدة أحتاجوا كومبارس مصرى ليقولها ، وبذلك اقترب من الوسط السينمائى فعاد لمصر تاركاً الماجستير وراءه ودخل مجال المونتاج السينمائى حيث عمل كمونتير لفيلمى "كله إلا كده" و"الغندورة" عام 1934 ثم كف بعدهما نهائياً عن ممارسة المونتاج للتركيز فى مشروعه الأول وهو الترجمة .
خاض عبيد معركة مع صناع السينما في مصر لإقناعهم بفكرة طباعة الترجمة على الفيلم وترجم مجموعة افلام قصيرة واضعاً الكتابة اسفل الشاشة (كما هو متبع حتى اليوم) وقدمها في عروض خاصة مجانية حتى يتأكد الصناع من احتمالات نجاحها لكن لم يتحمس الكثيرين لمشروعه لتخوفهم من عدم اهتمام الجمهور ببأفلام الغرب.
عام 1939 اصدر مجلس الوزراء المصرى قرار بإلزام جميع دور العرض بعرض ترجمة عربية مصاحبة لكل الافلام الاجنبية وكان ذلك ثمرة لمقالات أنيس عبيد فى جريدة الاهرام المطالبة بذلك.
كان أول فيلم اجنبى روائى ترجمه "انيس عبيد" هو "روميو وجوليت" عام 1944 وقد نجح الفيلم نجاح مبهر وحقق ايرادات غير مسبوقة. فكانت هذه هى بداية رحلة نجاحه فى عالم الترجمة . فى عام 1950 تمكن المهندس "أنيس" من إختراع ماكينة لطباعة الترجمة العربية على الافلام الـ 16 مللى وكان ذلك سبق تحثت عنه الصحف المصرية ، فى نفس العام أنشأ فى بيروت مع شريك لبنانى "معامل خورى وعبيد للترجمة " وقد انتهت هذه الشراكة عام 1979.
على مدى أربعين عاماً أنفردت معامل "أنيس عبيد " بترجمة الافلام الأمريكية والهندية والأوربية فى مصر وتمكنت من تعريف المصريين بروائع السينما العالمية ، حيث أصبحت جملة "تمت الترجمة بمعامل أنيس عبيد بالقاهرة " العبارة المميزة للفيلم الاجنبى .
فى الثمانينات انشأ التليفزيون المصرى قسم خاص بترجمة الافلام الاجنبية وتبعه فى ذلك التلفزيونات العربية.
فى 16 أكتوبرعام 1988 سافر "أنيس عبيد" للسماء بعد أن فتح للمصريين وباقى ناطقى العربية نوافذ متسعة على العالم.
تعليقات
إرسال تعليق